على مدى العقود القليلة الماضية، شهدت السواحل في كينيا وتنزانيا والسنغال تحولات كبيرة تشكلت بفعل الضغوط المناخية والتنمية البشرية. فالمواقع التراثية الهامة التي تشمل المساجد السواحيلية ومواقع العصر الحجري المتأخر والمستوطنات التجارية الساحلية القديمة والمباني التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية والتي كانت في يوم من الأيام ثابتة على أرض صلبة مهددة الآن بالتآكل أو ارتفاع منسوب البحار أو الدفن تحت طبقات من الطمي. وقد اختفى بعضها بالفعل. وبالنسبة للمجتمعات المحلية التي تعيش في هذه المناطق الساحلية، فإن الظروف الساحلية المتغيرة تشكل مخاطر واضحة على سبل العيش والمستوطنات. أما بالنسبة للمواقع الأثرية المتجذرة في تلك المساحات نفسها، فإنها تشكل تحدياً أكثر هدوءاً وأطول أمداً بدأ الآن فقط في الظهور.
وقد اتبع البحث الذي قادته عالمة الجغرافيا المكانية وباحثة ما بعد الدكتوراه في المعهد البريطاني في شرق أفريقيا، الدكتورة باميلا أوتشونغو، مع فريق من الباحثين، نهجاً فريداً لفهم أفضل للحفاظ على مواقع التراث الأفريقي؛ أي المزاوجة بين علم الآثار وعلوم الأقمار الصناعية. لم يكن الهدف هو رسم خريطة للسواحل المتطورة فحسب، بل فهم كيفية تقاطع تلك التغييرات مع المواقع على طول الساحل الأفريقي التي تقف شاهداً على تاريخ القارة الغني والمتنوع. والنتيجة هي مجموعة بيانات رقمية جديدة توثق توزيع وخصائص المواقع الأثرية في كينيا وتنزانيا والسنغال، وتجمع بين تحليل التغيرات الساحلية المتعاقبة باستخدام الاستشعار عن بعد المتقدم.
الحفاظ على التراث الساحلي لأفريقيا

يقع عدد من مواقع التراث العالمي لليونسكو على طول سواحل كينيا وتنزانيا والسنغال. وتشمل هذه المواقع، من بين أمور أخرى، مدينة لامو القديمة في كينيا، وهي أقدم المستوطنات السواحيلية في شرق أفريقيا وأفضلها حفظاً؛ وسونغو منارا في تنزانيا، وهي مدينة حجرية سواحيلية تعود إلى القرون الوسطى كانت مأهولة من القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر؛ وجزيرة غوريه في السنغال، وهي جزيرة صغيرة قبالة ساحل داكار كانت بمثابة أكبر مركز لتجارة الرقيق في أفريقيا من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من المواقع التراثية غير المدرجة في القائمة والتي لم يتم رصدها تاريخياً بشكل قوي نظراً لندرة التوثيق بشأنها. يعتمد بحث الدكتور أوتشونغو وفريقه على المواقع الأثرية من قاعدة بيانات MAEASaM (مشروع رقمنة يسعى إلى تحديد وتوثيق مواقع التراث الأثري الأفريقي المهددة بالانقراض)، ويضعها في طبقات مع بيانات رصد الأرض.
الاستفادة من خدمات ديجيتال إيرث أفريقيا
أوتشونغو وآخرون استخدمت أدوات وخدمات Digital Earth Africa وخدماتها لإجراء رسم خرائط شاملة للخطوط الساحلية والتغيرات الزمنية في مناطق مختارة على مدى فترة تقارب الأربعين عاماً (من 1984 إلى 2023). وشمل التحليل تطبيق مؤشر الفرق المعياري المعدل للمياه (MNDWI)) للكشف عن التغيرات الكمية في الخطوط الساحلية، بالإضافة إلى سير عمل التآكل الساحلي في Digital Earth Africa ومستودع بيانات الخطوط الساحلية، لتحليل الخطوط الساحلية السنوية ومعدلات التآكل.
والنتيجة هي مجموعة بيانات جغرافية مكانية قوية تسمح للباحثين بتحديد المواقع المعرضة للخطر، والمواقع التي تأثرت بالفعل، والمواقع التي قد تكون هناك حاجة ماسة إلى جهود الحماية.
في دلتا سالوم في السنغال، وهو موقع مهم للقطع الأثرية والمدافن، لم تتأثر الغالبية العظمى من المواقع (80 في المائة) بالتغير الساحلي. ولكن من بين تلك التي تعرضت للتغيير، كان التآكل أكثر انتشاراً من النمو الساحلي. ومع ذلك، في مومباسا، كشف التحليل عن تغيرات ساحلية كبيرة. فمن أصل 36 موقعاً تراثياً، لوحظ أن حوالي 39 في المائة من المواقع التراثية شهدت تراجعاً ساحلياً. وتواجه عشرة من المواقع المتضررة معدل تآكل يبلغ متوسطه حوالي 17.2 متر في السنة. في جزيرة بيمبا في تنزانيا، وهي جزيرة ذات تاريخ تجاري وزراعي وديني نابض بالحياة، شوهد أن 17.9 في المائة من أصل 39 موقعًا تراثيًا شهدت تراجعًا في الخط الساحلي، و7.7 في المائة نموًا ساحليًا. يُظهر البحث متوسط معدل التراجع السنوي، مما يشير إلى أن التآكل هو الاتجاه الأكثر شيوعًا بين المواقع التي شهدت تغيرًا. يمكن لنمو الخط الساحلي المسجل بالقرب من العديد من المواقع أن يخلق تحدياً منفصلاً لتراكم الرواسب التي يمكن أن تؤدي إلى الدفن والتطور العمراني في نهاية المطاف مع مرور الوقت.
بيانات لدفع العمل
ما الذي يحدد أوتشونغو وآخرون لا يقتصر البحث على حجم التحليل فحسب، بل الأدوات التي جعلته ممكنًا. لعبت Digital Earth Africa دورًا تمكينيًا من خلال الوصول المفتوح إلى مجموعات بيانات طويلة الأجل جاهزة للتحليل، مما سمح للفريق بإجراء تحليل مفصل للخطوط الساحلية عبر بلدان متعددة.
وتوفر مخرجات الدراسة: أي الخرائط والبيانات وتصنيفات التغير في الخط الساحلي مدخلاً واضحاً للعمل. ويمكن استخدامها لتوجيه القرارات المتعلقة بالسياسات، أو توجيه جهود الحفظ المجتمعية، أو تشكيل البحوث المستقبلية. في بعض الحالات، قد تساعد البيانات في بعض الحالات في إثبات ضرورة حماية موقع ما قبل أن يحدث تغيير لا رجعة فيه. وفي حالات أخرى، قد تدعم فهماً أوسع لكيفية إعادة تشكيل العوامل البيئية لأنماط الاستيطان الساحلي.
هذه رؤية مقنعة لما هو ممكن عندما تلتقي البيانات الجغرافية المكانية مع البحوث الثقافية. مع استمرار تزايد الضغوط المناخية، ستكون أدوات مثل تلك التي تقدمها Digital Earth Africa أساسية لكيفية رصدنا واستجابتنا للخطوط الساحلية المتغيرة - ليس فقط لحماية المواقع المادية نفسها، ولكن لضمان عدم ضياع المعرفة والسياق في هذه العملية.
اقرأ الورقة البحثية كاملة هنا
Ochungo, P., Sagna, N., Neema, V., et al. (2025). ديناميكيات الخط الساحلي ومواقع التراث الثقافي في كينيا وتنزانيا والسنغال: دمج الاستشعار عن بعد والمعرفة الأثرية. مجلة الخرائط، 21 (1). https://doi.org/10.1080/17445647.2025.2487454